فصل: موقف الإسلام من نهاية المسيح عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنظمات اليهودية ودورها في إيذاء عيسى عليه السلام (نسخة منقحة)



.موقف الإسلام من نهاية المسيح عليه السلام:

في الوقت الذي أجمع اليهود والنصارى على قتل المسيح وصلبه، وراحت الأناجيل، التي بأيدي القوم تقرر وتصور نهاية المسيح، والتي أصبحت عقيدة لهم وأساسا من أسس المسيحية على اختلاف طوائفها، فإن للقرآن الكريم موقفا آخر من نهاية المسيح- عليه السلام- نوجزه إتماما للفائدة، كما لخصه ربنا سبحانه في قوله {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} [سورة النساء: 157].
قال ابن كثير رحمه الله: قال تعالي وهو أصدق القائلين ورب العالمين والمطلع على السرائر والضمائر، الذي يعلم السر في السموات والأرض، والعالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} أي رأوا شبهه فظنوه إياه، ولهذا قال: وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن، يعني بذلك من ادعي أنه قتله من اليهود ومن سلمه إليهم من النصارى، كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر، ولهذا قال: {وما قتلوه يقينا} أي وما قتلوه متيقنين أنه هو، بل شاكين متوهمين.
[تفسير ابن كثير، ج1، صـ 574].
وقال في ذلك رحمه الله: فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم، قال لأصحابه: أيكم يلقي عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب لذلك شاب فيهم، فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية وثالثة، وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب، فقال: أنت هو، وألقي الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو، وفتحت دوزنة (فرجة) من سقف البيت، وأخذت عيسي- عليه السلام- سنة من النوم، فرفع إلى السماء وهو كذلك، كما قال الله تعالي: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي} [سورة آل عمران: 55].
فلما رفع خرج أولئك النفر، فلما رأي أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسي فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه.
وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه، وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصارى بذلك لجهلهم وقلة عقلهم، ماعدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه، وأما الباقون فقد ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم.
[محاضرات في النصرانية، للشيخ الإمام أبو زهرة، صـ24، بتصرف].
وبعض الآثار تقول: إن الله ألقي شبه المسيح على (يهوذا)، و (يهوذا) هذا هو (يهوذا الأسخريوطي) الذي تقول الأناجيل عنه: إنه هو الذي وشى عليه ليرشد القابضين عليه، إذ كانوا لا يعرفونه وقد كان أحد تلاميذه المختارين في زعمهم ولقد وافق هذا إنجيل برنابا موافقة تامة، ففيه: ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع، سمع يسوع دنو جم غفير، فلذلك انسحب إلى البيت خائفا، وكان الأحد عشر نياما، فلما رأي الله الخطر على عبده، أمر جبريل وميكائيل وروفائيل وأدريل [يريد إسرافيل وعزرائيل] سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم، فجاء الملائكة الأطهار واخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فجعلوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح الله إلى الأبد... ودخل (يهوذا) بعنف إلى الغرفة التي أصعد منها يسوع، وكان التلاميذ كلهم نياما، فأتي الله العجيب بأمر عجيب، فتغير (يهوذا) في النطق وفي الوجه، فصار شبيها بيسوع حتى إننا اعتقدنا أنه يسوع، أما هو فبعد أن استيقظ أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم، لذلك تعجبنا، وأجبنا أنت يا سيدي معلمنا، أنسيتنا الآن.... إلخ.
[المرجع السابق، صـ 24، بتصرف].

.إبطال دعوى صلب المسيح من الإنجيل:

إن الذي يقرأ قصة الصلب في الأناجيل يلاحظ أن الشخص الذي صلبته اليهود لم يكن عيسي، وذلك لما يلي:-
1- لم يكن (عيسي) معروفا بشخصه لدي رجال الشرطة، التي أمرت بالقبض عليه ولذا أخذوا معهم (يهوذا الأسخريوطي) ليعينه لهم،
2- ثبت أن (يهوذا) ندم على استعداده لمعاونة الشرطة، في تعيين شخص عيسى من بين التلاميذ، ورد لهم المبلغ الذي أخذه منهم،
1- يحتمل بناء على هاتين الملاحظتين، وهما مذكورتان في الإنجيل نصا، أن يهوذا أدركته الندامة قبل وصوله مع رجال الشرطة إلى المكان الذي فيه عيسي مع تلاميذه، فعين لهم أحد التلاميذ على أنه (عيسى)، ولم ينكر التلميذ رغبة في إنقاذ معلمه، فأخذ وصلب.
2- أن اليهود قتلت رجلا لم تعينه بإقرار الإنجيل، ولم تعرفه إلا بشهادة (يهوذا الأسخريوطي)، أنه ذلك المطلوب، وأما الإنجيل فلا دليل فيه صادق بتحقيق ذلك، ولا خبر قاطع للحجة، كيف لا ونصوص الإنجيل، والكتب النصرانية، متضافرة دالة على عدم صلب (عيسى)- عليه السلام- ووقوع الشبه على غيره، وذلك من وجوه، منها:
أ- جاء في الإنجيل أن المطلوب قد استسقي اليهود، فأعطوه خلا ممزوجا بمرارة فذاقه ولم يشربه فنادى، إلهي إلهي، لم خذلتني. أو.
[إيلي، إيلي، لم شبقتني] [إنجيل متى إصحاح، 28].
في الوقت الذي صرحت فيه الأناجيل بأن عيسى- عليه السلام- كان يطوي أربعين يوما وليلة، ويقول للتلاميذ: إن لي طعاما لستم تعرفونه، ومن يصبر على العطش والجوع أربعين يوما وليلة كيف يطهر الحاجة والمذلة والمهانة لأعدائه بسبب عطش يوم واحد!!
هذا لا يفعله أدنى الناس، فكيف بخواص الأنبياء؟ أو كيف بالرب تعالى- على ما تدعيه النصارى؟!!
فيكون حينئذ المدعي للعطش غيره يقينا- وهو الذي شبه لهم.
ب‌- قوله: إلهي إلهي لم خذلتني؟ هو كلام يقتضى عدم الرضا بالقضاء، وعدم التسليم لأمر الله تعالي، و (عيسى)- عليه السلام- منـزه عن ذلك، فيكون المصلوب غيره، لا سيما والنصارى يقولون: إن المسيح عليه السلام نزل ليؤثر العالم على نفسه، ويخلصه من الشيطان ورجسه.
فكيف يتفق هذا مع ذلك؟ وهو على خلافه تماما.
5- جاء في التوراة أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسي وهارون عليهم السلام لما حضرهم الموت، كانوا مستبشرين بلقاء ربهم، فلم يجزعوا من الموت، ولم يهابوا مذاقه ولم يعيبوه مع أنهم عبيد الله، والمسيح، بزعم النصارى، ابن الله أو هو الرب، فكان ينبغي أن يكون أثبت منهم، ولما لم يك كذلك، دل على أن المصلوب غيره.
6- نطق الإنجيل بأن عيسى- عليه السلام- نشأ بين ظهور اليهود، وكان معهم في مواسمهم وأعيادهم وهياكلهم، يعظهم، ويعلمهم، ويناظرهم، ويعجبون من براعته وكثرة تحصيله حتى كانوا هم يقولون: أليس هذا ابن يوسف؟ أليست أمه مريم؟ فمن أين له هذه الحكمة؟
وإذا كان كذلك غاية في الشهرة والمعرفة عندهم، فلم نص الإنجيل على أنهم وقتما أرادوا القبض عليه لم يحققوه، حتى دفعوا لأحد تلاميذه، وهو يهوذا ثلاثين درهما ليدلهم عليه؟ فلما قبله لهم، وهي العلامة المتعارف عليها أمسكوه وربطوه وتركه التلاميذ وهربوا، وتبعه (بطرس) من بعيد، فقال له رئيس الكهنة: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟ فقال له المسيح: أنت قلت ذلك!!
[انظر إنجيل متى، إصحاح، 26].
ترى هل يمكن أن تلتبس شخصية المسيح على رئيس الكهنة والجمع الكبير حتى يستحلفه باسم الله الحي... هل أنت المسيح؟ فيقول له: أنت تقول؟!!
7- وهذا يؤكد لنا أن المصلوب ليس عيسى، وإنما غيره يقينا، ألقي عليه شبه عيسى، حتى صار الناس في شك منه، فالشبه شبه عيسى، ولكن الدلائل والأحوال تؤكد أنه غير عيسى- عليه السلام- لذلك سأل كبير الكهنة ذلك المصلوب! هل أنت المسيح؟
8- وليس هذا فقط، بل شك فيه كل تلامذته، وأنكره أحب التلاميذ إليه.
وفي الإنجيل أيضا: أن يسوع كان مع تلاميذه بالبستان، فجاء اليهود في طلبه فخرج إليهم، وقال لهم: من تريدون؟ قالوا: يسوع، وقد خفي شخصه عنهم، ففعل ذلك مرتين.
[إنجيل يوحنا].
وفي إنجيل متى: بينما التلاميذ يأكلون طعاما مع يسوع قال: كلكم تشكون في هذه الليلة، فإنه مكتوب أني أضرب الراعي فتفترق الغنم، فقال (بطرس): فلو شك جميعهم ما أشك أنا، فقال يسوع: الحق أقول لك: إنك في هذه الليلة تنكرني قبل أن يصيح الديك. وقد كان. فقد شهد عليهم بالشك، بل على خيارهم أو أخيرهم (بطرس) فإنه خليفته عليهم.
فقد انخرم حينئذ الوثوق بأقوال النصارى في صلب المسيح، وجزم بإلقاء الشبه على غير (عيسى) عليه السلام.
9- ما الذي يمنع الشبه أو يحيله، والله عز وجل قادر على أن يجعل شبه (عيسى)- عليه السلام- على ذلك الخائن، أو على شيطان، أو على أي شيء، والله سبحانه وتعالي الذي جعل من عصا موسى حية، قادر على أن يجعل إنسانا شبه إنسان، فإذا كان الله عز وجل خلق جميع ما للحية في عصاة موسى- عليه السلام- وهو أعظم من الشبه- فإن جعل حيوان يشبه حيوانا، أقرب من جعل نبات يشبه حيوانا وقلب العصا حية تسعى، مما أجمع عليه اليهود والنصارى، كما أجمعوا على جعل النار لإبراهيم عليه السلام- بردا وسلاما، وعلى قلب الماء خمرا، فإذا جوزوا مثل هذا، جوزوا- أيضا- إلقاء الشبه من غير استحالة. وصدق الله: {في أي صورة ما شاء ركبك} [سورة الانفطار: 8].
10- ولم يقع الشك من رئيس الكهنة فقط، ولا من تلاميذ المسيح حتى (بطرس) فحسب، بل من جميع من كان في المشهد وحتى الذين اقتادوا عيسى لصلبه، سألوه قائلين: إن كنت أنت المسيح فقل لنا؟ فقال لهم: إن قلت لكم لا تصدقوني، وإن سألت لا تجيبوني ولا تطلقونني.
[إنجيل لوقا، إصحاح، 22 (67)].
والمعنى واضح: إن قلت لكم لست أنا المسيح لا تصدقونني، وإن سألتكم بعدها أن تطلقوا سراحي لا تجيبون طلبي، ويستحيل أن يكون المعنى: إن قلت لكم أنا المسيح لا تصدقوني، لأنهم إذا كانوا لا يصدقونه أنه المسيح فلم جاءوا به؟
فلم يبق إلا المعنى الوحيد المعقول: وهو إن قلت لكم لست أنا المسيح لا تصدقوني ولا تجيبونني إلى ما أريد ولا تطلقونني.
11- بل في الإنجيل ما يصرح بنجاة عيسى عليه السلام حتما، ويؤكد إلقاء الشبه على غيره يقينا، وذلك في قوله: أقول لكم إنه في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد، فيؤخذ الواحد ويترك الآخر.
[إنجيل لوقا، إصحاح، 17 (34- 36)].
أي التلميذ الخائن يؤخذ، ويترك المسيح، بدليل ما جاء في سفر الأمثال (الشرير فدية للصديق).
[سفر الأمثال، إصحاح، 21 (18)].
يعني الخائن يصلب فدية للصديق وهو المسيح.
ويقول سفر المزامير: كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الله، يحفظ جميع عظامه واحد منها لا ينكسر، الشر يميت الشرير، ومبغضو الصديق يعاقبون، الرب نادى نفس عبده وكل من اتكل عليه لا يعاقب.
[مزمور 34، عدد (18)].
وفي إنجيل يوحنا: فرفعوا حجارة ليرجموه، أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم.
[إنجيل يوحنا، إصحاح 8 (59)].
فطلبوا أيضا أن يمسكوه فخرج من بين أيديهم.
[إنجيل يوحنا، إصحاح، 1 (36)].
12- وفي إنجيل متى: مكتوب أنه يوصى ملائكته بك فعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك.
[إنجيل متى، إصحاح، 4 (6)].
فكيف تكون الوصية للملائكة حتى لا تصدم رجل المسيح بحجر، ثم يترك للصلب والتعذيب والإهانة؟!!
13- وفي إنجيل يوحنا: أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداما ليمسكوه، فقال لهم يسوع أنا معكم زمانا يسيرا بعد، ثم أمضى إلى الذي أرسلني، ستطلبونني ولا تجدوني، حيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، فقال اليهود فيما بينهم إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن، لعله مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيين ويعلم اليونانيين.
[إنجيل يوحنا، إصحاح، 7 (35- 36)].
فما معنى هذا القول الذي قال المسيح: ستطلبونني ولا تجدوني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا؟!!
ألا يعني هذا أن ملائكة الرب حملته بعيدا إلى السماء في يوم الضيق، ولم يتمكن منه الكهنة والفريسيون بل إن الكهنة والفريسيين لم يروه أبدا- ولم يروه- بعد أن تركهم في الهيكل، كما قال لهم في آخر لقاء عاصف معهم: إنني أقول لكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل.
[إنجيل متى، إصحاح، 23 (29)].
14- والمسيح نفسه ينفي عن نفسه فكرة القتل والصلب ينفيها بكل قوة في مواضع كثيرة، ويتوعد بالقتل والصلب بدلا منه (يهوذا الخائن) بقوله: سقط في الهوة من صنع.
[إنجيل يوحنا].
وذلك لأن: الرب قضاء أمضى: الشرير يعلق بعمل يديه، المعلق على الخشبة ملعون من الله.
[إنجيل يوحنا].
بأي جنون وبأي حماقة لعنوا الناموس والمسيح. المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة.
نقول لهم: ألم تهتز عقولكم وقلوبكم ولو مرة واحدة، فتكف عن لعنة الناموس والمسيح؟ ألم تسمعوا يسوع يقول لكم: تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني، أليس موسى قد أعطاكم الناموس وليس أحد منكم يعمل بالناموس لماذا تطلبون أن تقتلوني.
[إنجيل يوحنا، إصحاح، 7 (19)].
فارجعوا إلى الحق الذي جاء به المسيح، فهو طريق الخلاص الحقيقي، لا ما أنتم عليه، وتذكروا قوله: اذهبوا وتعلموا ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة.
[إنجيل متى، إصحاح، 9 (13)].
ومن هنا نعلم أن هذه الأناجيل ليست قاطعة في صلبه، بل فيها اختلافات وشكوك كثيرة- كما قدمت لك- وصدق الله {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذي اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا} [سورة النساء: 157] ا. هـ.